فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة هود: آية 12]

{فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12)}
كانوا يقترحون عليه آيات تعنتًا لا استرشادًا، لأنهم لو كانوا مسترشدين لكانت آية واحدة مما جاء به كافية في رشادهم. ومن اقتراحاتهم {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ} وكانوا لا يعتدون بالقرآن ويتهاونون به وبغيره مما جاء به من البينات، فكان يضيق صدر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يلقى إليهم مالا يقبلونه ويضحكون منه، فحرّك اللّه منه وهيجه لأداء الرسالة وطرح المبالاة بردّهم واستهزائهم واقتراحهم بقوله: {فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ} أي لعلك تترك أن تلقيه إليهم وتبلغه إياهم مخافة ردّهم له وتهاونهم به {وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} بأن تتلوه عليهم {أَنْ يَقُولُوا} مخافة أن يقولوا {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ} أي هلا أنزل عليه ما اقترحنا نحن من الكنز والملائكة ولم أنزل عليه ما لا نريده ولا نقترحه، ثم قال: {إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ} أي ليس عليك إلا أن تنذرهم بما أوحى إليك وتبلغهم ما أمرت بتبليغه، ولا عليك ردّوا أو تهاونوا أو اقترحوا {وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} يحفظ ما يقولون، وهو فاعل بهم ما يجب أن يفعل، فتوكل عليه، وكل أمرك إليه، وعليك بتبليغ الوحى بقلب فسيح وصدر منشرح، غير ملتفت إلى استكبارهم ولا مبال بسفههم واستهزائهم. فإن قلت: لم عدل عن ضيق إلى ضائق؟ قلت: ليدل على أنه ضيق عارض غير ثابت، لأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان أفسح الناس صدرا. ومثله قولك: زيد سيد وجواد، تريد السيادة والجواد الثابتين المستقرّين، فإذا أردت الحدوث قلت: سائد وجائد ونحوه كانوا قومًا عامين في بعض القراءات، وقول السمهري العكلي:
بِمَنْزِلَةٍ أَمَّا اللّئِيمُ فَسَامِنٌ ** بِهَا وَكِرَامُ النّاسِ بَادٍ شُحُوبُهَا

.[سورة هود: آية 13]

{أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (13)}
{أَمْ} منقطعة. والضمير في {افْتَراهُ} لما يوحى إليك. تحداهم أوّلا بعشر سور، ثم بسورة واحدة، كما يقول المخابر في الخط لصاحبه: اكتب عشرة أسطر نحو ما أكتب، فإذا تبين له العجز عن مثل خطه قال: قد اقتصرت منك على سطر واحد مِثْلِهِ بمعنى أمثاله، ذهابًا إلى مماثلة كل واحدة منها له {مُفْتَرَياتٍ} صفة لعشر سور. لما قالوا: افتريت القرآن واختلقته من عند نفسك وليس من عند اللّه، قاودهم على دعواهم وأرخى معهم العنان وقال: هبوا أنى اختلقته من عند نفسي ولم يوح إلىّ وأنّ الأمر كما قلتم، فأتوا أنتم أيضًا بكلام مثله مختلق من عند أنفسكم، فأنتم عرب فصحاء مثلي لا تعجزون عن مثل ما أقدر عليه من الكلام. فإن قلت: كيف يكون ما يأتون به مثله، وما يأتون به مفترى وهذا غير مفترى؟ قلت: معناه مثله في حسن البيان والنظم وإن كان مفترى.

.[سورة هود: آية 14]

{فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)}
فإن قلت: ما وجه جمع الخطاب بعد إفراده وهو قوله: {لَكُمْ فَاعْلَمُوا} بعد قوله: {قُلْ}؟
قلت: معناه: فإن لم يستجيبوا لك وللمؤمنين لأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين كانوا يتحدّونهم، وقد قال في موضع آخر: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ} ويجوز أن يكون الجمع لتعظيم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كقوله:
فَإنْ شِئْتُ حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سِوَاكُمُ

ووجه آخر: وهو أن يكون الخطاب للمشركين، والضمير في {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا} لمن استطعتم، يعنى: فإن لم يستجب لكم من تدعونه من دون اللّه إلى المظاهرة على معارضته لعلمهم بالعجز عنه وأن طاقتهم أقصر من أن تبلغه {فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} أي أنزل ملتبسًا بما لا يعلمه إلا اللّه، من نظم معجز للخلق، وإخبار بغيوب لا سبيل لهم إليه وَاعلموا عند ذلك أَنْ لا إِلهَ إِلَّا اللّه وحده، وأن توحيده واجب والإشراك به ظلم عظيم {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} مبايعون بالإسلام بعد هذه الحجة القاطعة، وهذا وجه حسن مطرد. ومن جعل الخطاب للمسلمين فمعناه: فاثبتوا على العلم الذي أنتم عليه، وازدادوا يقينًا وثبات قدم على أنه منزل من عند اللّه وعلى التوحيد.
ومعنى {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} فهل أنتم مخلصون؟

.[سورة هود: الآيات 15- 16]

{مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (16)}
{نُوَفِّ إِلَيْهِمْ} نوصل إليهم أجور أعمالهم وافية كاملة من غير بخس في الدنيا، وهو ما يرزقون فيها من الصحة والرزق. وقيل: هم أهل الرياء. يقال للقراء منهم: أردت أن يقال: فلان قارئ، فقد قيل ذلك. ولمن وصل الرحمن وتصدّق: فعلت حتى يقال، فقيل. ولمن قاتل فقتل: قاتلت حتى يقال فلان جريء، فقد قيل: وعن أنس بن مالك: هم اليهود والنصارى، إن أعطوا سائلا أو وصلوا رحمًا، عجل لهم جزاء ذلك بتوسعة في الرزق وصحة في البدن. وقيل: هم الذين جاهدوا من المنافقين مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأسهم لهم في الغنائم. وقرئ: {يوفّ}، بالياء على أن الفعل للّه عزّ وجلّ. وتوفَّ إليهم أعمالهم بالتاء، على البناء للمفعول. وفي قراءة الحسن: {نوفى}، بالتخفيف وإثبات الياء، لأنّ الشرط وقع ماضيًا، كقوله:
يَقُولُ لَا غائِبٌ مَالِى وَلَا حَرِمُ

{وَحَبِطَ ما صَنَعُوا} فِيها وحبط في الآخرة ما صنعوه، أو صنيعهم، يعنى: لم يكن له ثواب لأنهم لم يريدوا به الآخرة، إنما أرادوا به الدنيا، وقد وفي إليهم ما أرادوا {وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} أي كان عملهم في نفسه باطلا، لأنه لم يعمل لوجه صحيح، والعمل الباطل لا ثواب له.
وقرئ: {وبطل} على الفعل. وعن عاصم: وباطلا بالنصب، وفيه وجهان: أن تكون ما إبهامية وينتصب بيعملون، ومعناه: وباطلا، أي باطل كانوا يعملون. وأن تكون بمعنى المصدر على: وبطل بطلانًا ما كانوا يعملون.

.[سورة هود: آية 17]

{أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِمامًا وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (17)}
{أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ} معناه: أمّن كان يريد الحياة الدنيا فمن كان على بينة أي لا يعقبونهم في المنزلة ولا يقاربونهم، يريد أنّ بين الفريقين تفاوتًا بعيدًا وتباينًا بينًا، وأراد بهم من آمن من اليهود كعبد اللّه بن سلام وغيره، كان على بينة مِنْ رَبِّهِ أي على برهان من اللّه وبيان أنّ دين الإسلام حق وهو دليل العقل {وَيَتْلُوهُ} ويتبع ذلك البرهان {شاهِدٌ مِنْهُ} أي شاهد يشهد بصحته، وهو القرآن {مِنْهُ} من اللّه، أو شاهد من القرآن، فقد تقدّم ذكره آنفًا {وَمِنْ قَبْلِهِ} ومن قبل القرآن {كِتابُ مُوسى} وهو التوراة، أي: ويتلو ذلك البرهان أيضًا من قبل القرآن كتاب موسى. وقرئ: {كتابَ موسى} بالنصب، ومعناه: كان على بينة من ربه، وهو الدليل على أنّ القرآن حق، {وَيَتْلُوهُ}: ويقرأ القرآن {شاهِدٌ مِنْهُ} شاهد ممن كان على بينة، كقوله: {وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ}، {قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ}، {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى} ويتلو من قبل القرآن والتوراة {إِمامًا} كتابًا مؤتما به في الدين قدوة فيه {وَرَحْمَةً} ونعمة عظيمة على المنزل إليهم أُولئِكَ يعنى من كان على بينة {يُؤْمِنُونَ بِهِ} يؤمنون بالقرآن {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ} يعنى أهل مكة ومن ضامهم من المتحزِّبين على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ} وقرئ: {مُرية}، بالضم وهما الشك {مِنْهُ} من القرآن أو من الموعد.

.[سورة هود: الآيات 18- 22]

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (19) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (21) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22)}
{يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ} يحبسون في الموقف وتعرض أعمالهم ويشهد عليهم {الْأَشْهادُ} من الملائكة والنبيين بأنهم الكذابون على اللّه بأنه اتخذ ولدًا وشريكا، ويقال: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} فوا خزياه ووا فضيحتاه. والأشهاد: جمع شاهد أو شهيد، كأصحاب أو أشراف {وَيَبْغُونَها عِوَجًا} يصفونها بالاعوجاج وهي مستقيمة. أو يبغون أهلها أن يعوجوا بالارتداد، وهم الثانية لتأكيد كفرهم بالآخرة واختصاصهم به {أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ} أي ما كانوا يعجزون اللّه في الدنيا أن يعاقبهم لو أراد عقابهم، وما كان لهم من يتولاهم فينصرهم منه ويمنعهم من عقابه، ولكنه أراد إنظارهم وتأخير عقابهم إلى هذا اليوم، وهو من كلام الأشهاد {يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ} وقرئ: يضعف {ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ} أراد أنهم لفرط تصامّهم عن استماع الحق وكراهتهم له، كأنهم لا يستطيعون السمع ولعل بعض المجبرة يتوثب إذا عثر عليه فيوعوع به على أهل العدل، كأنه لم يسمع الناس يقولون في كل لسان: هذا كلام لا أستطيع أن أسمعه، وهذا مما يمجه سمعي. ويحتمل أن يريد بقوله: {وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ} أنهم جعلوا آلهتهم أولياء من دون اللّه، وولايتها ليست بشيء، فما كان لهم في الحقيقة من أولياء، ثم بين نفى كونهم أولياء بقوله: {ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ} فكيف يصلحون للولاية. وقوله: {يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ} اعتراض بوعيد {خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} اشتروا عبادة الآلهة بعبادة اللّه، فكان خسرانهم في تجارتهم مالا خسران أعظم منه، وهو أنهم خسروا أنفسهم {وَضَلَّ عَنْهُمْ} وبطل عنهم وضاع ما اشتروه وهو {ما كانُوا يَفْتَرُونَ} من الآلهة وشفاعتها {لا جَرَمَ} فسر في مكان آخر {هُمُ الْأَخْسَرُونَ} لا ترى أحدًا أبين خسرانًا منهم.

.[سورة هود: آية 23]

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (23)}
{وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ} واطمأنوا إليه وانقطعوا إلى عبادته بالخشوع والتواضع من الخبت وهي الأرض المطمئنة. ومنه قولهم للشيء: الدنئ الخبيت. قال:
يَنْفَعُ الطَّيِّبُ الْقَلِيلُ مِنَ الرِّزْ ** قِ وَلَا يَنْفَعُ الْكَثِيرُ الْخَبِيتُ

وقيل: التاء فيه بدل من الثاء.

.[سورة هود: آية 24]

{مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ (24)}
شبه فريق الكافرين بالأعمى والأصم، وفريق المؤمنين بالبصير والسميع وهو من اللف والطباق. وفيه معنيان: أن يشبه الفريق تشبيهين اثنين، كما شبه امرؤ القيس قلوب الطير بالحشف والعناب، وأن يشبهه بالذي جمع بين العمى والصمم، أو الذي جمع بين البصر والسمع. على أن تكون الواو في {وَالْأَصَمِّ} وفي {وَالسَّمِيعِ} لعطف الصفة على الصفة، كقوله:
الصَّابِحِ فَالْغَانِمِ فَالآيِبِ

{هَلْ يَسْتَوِيانِ} يعنى الفريقين مَثَلًا تشبيهًا. اهـ.

.قال النسفي:

{الر كِتَابٌ} أي هذا كتاب فهو خبر مبتدأ محذوف: {أُحكمت ءاياته} صفة له أي نظمت نظمًا رصينًا محكمًا لا يقع فيه نقص ولا خلل كالبناء المحكم: {ثُمَّ فُصّلَتْ} كما تفصل القلائد بالفرائد من دلائل التوحيد والأحكام والمواعظ والقصص أو جعلت فصولًا سورة سورة وآية وآية أو فرقت في التنزيل ولم تنزل جملة، أو فصل فيها ما يحتاج إليه العباد أي بين ولخص.
وليس معنى {ثم} التراخي في الوقت ولكن في الحال: {مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} صفة أخرى ل: {كتاب} أو خبر بعد خبر أوصلة ل: {أحكمت} و: {فصلت} أي من عنده أحكامها وتفصيلها: {أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله} مفعول له أي لئلا تعبدوا أو {أن} مفسرة لأن في تفصيل الآيات معنى القول كأنه قيل قال: لا تعبدوا إلا الله أو أمركم أن لا تعبدوا إلا الله: {إِنَّنِى لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} أي من الله: {وَأَنِ استغفروا رَبَّكُمْ} أي أمركم بالتوحيد والاستغفار: {ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ} أي استغفروه من الشرك ثم ارجعوا إليه بالطاعة: {يُمَتّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا} يطوّل نفعكم في الدنيا بمنافع حسنة مرضية من عيشة واسعة ونعمة متتابعة: {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إلى أن يتوفاكم: {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} ويعط في الآخرة كل من كان له فضل في العمل وزيادة فيه جزاء فضله لا يبخس منه شيئًا: {وَإِن تَوَلَّوْاْ} وإن تتولوا: {فَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} هو يوم القيامة.
{إلى الله مَرْجِعُكُمْ} رجوعكم: {وَهُوَ على كُلّ شَئ قَدِيرٌ} فكان قادرًا على إعادتكم: {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} يزورّون عن الحق وينحرفون عنه لأن من أقبل على الشيء استقبله بصدره ومن أزورّ عنه وانحرف ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه: {لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ} ليطلبوا الخفاء من الله فلا يطلع رسوله والمؤمنون على ازورارهم: {أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} يتغطون بها أي يريدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم كراهة لاستماع كلام الله كقول نوح عليه السلام: {جَعَلُواْ أصابعهم في ءاذانهم واستغشوا ثِيَابَهُمْ}، {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} أي لا تفاوت في علمه بين إسرارهم وإعلانهم فلا وجه لتوصلهم لي ما يريدون من الاستخفاء والله مطلع على ثنيهم صدورهم واستغشائهم ثيابهم ونفاقهم غير نافق عنده قيل نزلت في المنافقين: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} بما فيها.
{وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا} تفضلًا لا وجوبًا: {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا} مكانه من الأرض ومسكنه: {وَمُسْتَوْدَعَهَا} حيث كان مودعًا قبل الاستقرار من صلب أو رحم أو بيضة: {كُلٌّ في كِتَابٍ مُّبِينٍ} كل واحد من الدواب ورزقها ومستقرها ومستودعها في اللوح يعني ذكرها مكتوب فيه مبين: {وَهُوَ الذى خَلَقَ السماوات والأرض} وما بينهما: {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} من الأحد إلى الجمعة تعليمًا للتأني: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الماء} أي فوقه يعني ما كان تحته خلق قبل خلق السماوات والأرض إلا الماء، وفيه دليل على أن العرش والماء كانا مخلوقين قبل خلق السماوات والأرض.
قيل بدأه بخلق يا قوتة خضراء فنظر إليها بالهيبة فصارت ماء ثم خلق ريحًا فأقر الماء على متنه ثم وضع عرشه على الماء وفي وقوف العرش على الماء أعظم اعتبار لأهل الأفكار: {لِيَبْلُوَكُمْ} أي خلق السماوات والأرض وما بينهما للمتحن فيهما ولم يخلق هذه الأشياء لأنفسها: {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} أكثر شكرًا وعنه عليه السلام: «أحسن عقلًا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله فمن شكر وأطاع أثابه ومن كفر وعصى عاقبه» ولما أشبه ذلك اختبار المختبر قال: {ليبلوكم} أي ليفعل بكم ما يفعل المبتلي لأحوالكم كيف تعملون: {وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الموت لَيَقُولَنَّ الذين كَفَرُواْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} أشار بهذا إلى القرآن لأن القرآن هو الناطق بالبعث فإذا جعلوا سحرًا فقد اندرج تحته إنكار ما فيه من البعث وغيره: {ساحر} حمزة وعلي يريدون الرسول والساحر كاذب مبطل: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ العذاب} عذاب الآخرة أو عذاب يوم بدر: {إلى أُمَّةٍ} إلى جماعة من الأوقات: {مَّعْدُودَةً} معلومة أو قلائل والمعنى إلى حين معلوم: {لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ} ما يمنعه من النزول استعجالًا له على وجه التكذيب والاستهزاء: {أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ} العذاب: {لَّيْسَ} العذاب: {مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} ويوم منصوب ب: {مصروفًا} أي ليس العذاب مصروفًا عنهم يوم يأتيهم: {وَحَاقَ بِهِم} وأحاط بهم: {مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} العذاب الذي كانوا به يستعجلون وإنما وضع يستهزئون موضع يستعجلون لأن استعجالهم كان على وجه الاستهزاء.